بقلم عبدالاله الشيخ محمد المك
لطالما كانت مليشيا الدعم السريع لاعبا رئيسيا في تجارة الذهب السوداني ليس فقط بسبب سيطرتها على مناجم رئيسية في دارفور ومناطق أخرى ولكن أيضا بفضل علاقاتها بالدوائر الاقتصادية التي تتحكم في سوق الذهب العالمي ورغم التقارير الدولية التي وثّقت انتهاكاتها وضلوعها في عمليات التهريب وتجارة السلاح فإنها لم تُصنف كمنظمة إرهابية ويرجع ذلك إلى دورها الخفي في إمداد الأسواق الدولية بالذهب وعلاقاتها مع كيانات اقتصادية نافذة بما في ذلك البنوك الاستثمارية الكبرى التي تتحكم في التجارة الدولية للذهب.
تعتبر البنوك الاستثمارية العالمية مثل “جي بي مورغان” و”غولدمان ساكس” و”بنك أوف أمريكا” و”سيتي غروب” من أهم اللاعبين في تجارة الذهب الدولية فهذه المؤسسات لا تشتري الذهب مباشرة،لكنها توفر التمويل والخدمات المصرفية للوسطاء والتجار الذين يعملون في تصدير الذهب عبر شبكات عالمية معقدة وفقًا لتقييمات الأسواق المالية تعد هذه البنوك محاور رئيسية في سوق المعادن الثمينة حيث تتعامل مع مليارات الدولارات من الذهب يوميا من خلال عقود آجلة وصناديق استثمارية وشركات تعدين كبرى.

ففي السنوات الأخيرة تعرضت بعض هذه البنوك لضغوط دولية بسبب تعاملاتها غير المباشرة مع الذهب غير المشروع وعلى سبيل المثال واجه “جي بي مورغان” تحقيقات حول دوره في التلاعب بأسعار المعادن الثمينة بينما اضطرت بعض البنوك الأخرى إلى مراجعة سياساتها بعد فضائح تتعلق بتمويل الذهب القادم من مناطق نزاع ورغم هذه القيود لا تزال هذه المؤسسات تستفيد من تدفقات الذهب غير الرسمي عبر مراكز تجارية مثل دبي وسويسرا حيث يتم إدخال الذهب المهرب إلى النظام المالي العالمي بطريقة يصعب تعقبها.
في حالة السودان استخدمت مليشيا الدعم السريع هذه الثغرات لصالحها فمن خلال تهريب الذهب إلى دبي وسويسرا عبر وسطاء وشركات غامضة تمكنت من دمج ذهبها في النظام المالي الدولي دون قيود وبما أن البنوك الاستثمارية الكبرى تعتمد على تدفق الذهب من مختلف المصادر فإنها لم تكن لديها مصلحة في دعم أي تصنيف إرهابي للمليشيا لأن ذلك كان سيعني فرض عقوبات على تجارة الذهب القادمة من السودان مما يهدد أرباحها في السوق العالمية.
إضافة إلى ذلك فإن تقييمات التجارة الدولية للذهب توضح أن معظم الصفقات الكبرى تتم عبر أنظمة مالية يصعب اختراقها حيث يتم تداول الذهب كأصول مالية عبر عقود مستقبلية بدلا من التعامل المباشر بالسبائك. وهذا يعني أن الذهب السوداني حتى لو كان مهربا يمكن أن يدخل الأسواق الدولية بسهولة بمجرد صهره وإعادة تصنيفه كذهب قادم من مصدر قانوني وهنا يظهر دور الإمارات وسويسرا كمراكز أساسية لغسيل الذهب حيث يتم تصنيفه في مصافي الذهب المعتمدة دوليًا مثل “فالكمبي” و”ميتالور” في سويسرا قبل أن يتم إدخاله في الأنظمة المصرفية العالمية ومن منظور السياسة الدولية مالم تكن القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا راغبة في تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية لأن ذلك كان سيؤثر مباشرة على الأسواق المالية التي تعتمد على استقرار تدفقات الذهب فعلى سبيل المثال البنك المركزي البريطاني وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يحتفظان بكميات ضخمة من الذهب كجزء من الاحتياطي النقدي للدولار والجنيه الإسترليني مما يجعل استقرار تجارة الذهب أمرا بالغ الأهمية للاستقرار المالي العالمي.

باختصار كانت العلاقات بين مليشيا الدعم السريع والدوائر الاقتصادية الدولية التي تتحكم في تجارة الذهب سببا رئيسيا في عدم تصنيفها كمنظمة إرهابية فمن خلال شبكات التهريب والعلاقات مع البنوك الاستثمارية الكبرى ومصافي الذهب الدولية ضمنت المليشيا دورا استراتيجيا في السوق العالمية مما جعل أي تحرك دولي ضدها مكلفًا اقتصاديا وهكذا لم يكن نفوذ الدعم السريع عسكريًا فقط بل امتد إلى أسواق المال الدولية حيث أصبحت جزءا من شبكة اقتصادية عالمية توفر لها الحماية من أي تصنيف قد يهدد مصالحها
